السبت، ديسمبر 06، 2008

قصة سد كجبار - ورقة عمل (4)

فاذا كان التوليد الحراري يوفر مثل هذه الكمية من الطاقة فلماذا الاصرار على قيام السد إلى درجة القتل والاصرار على التضحية بالمكان والأنسان أم أنه افتقاد الحس الانساني والجهل بالجغرافيا والتاريخ أم أن هنالك أجندة أخرى لا يملكون الجرأة للافصاح عنها؟أما البندين السادس الذي يتحدث عن زيادة الثروة السمكية ببحيرة السد فيثير تساؤلات عدة منها
لماذا لم نستفد أولاً من الثروة السمكية الهائلة في بحيرة النوبة الممتدة من حدودنا الشمالية حتى منطقة دال وهي بحيرة أكبر بكثير من البحيرة المتوقعة خلف سد كجبار وهي ثروة أصبحت متوطنة خلال العقود الأربعة الماضية بحيث استقلت البحيرة بثروتها السمكية التي ما عادت تعتمد على ما تردها من أسماك مع مياه النيل؟
ألم تنهار حتى شركة أسماك بحيرة النوبة التي أقامها الصينيون في السبعينيات من القرن الماضي بعد أن امتدت إليها يد الانقاذيين وأتبعوها لأحدى منظماتهم؟
ومن هذه الأسئلة أيضاً من أين ستأتي الأسماك إلى بحيرة سد كجبار إذا علمنا أن من بين الآثار البيئية الضارة لسد مروي هو منع الأسماك من العبور إلى أسفل السد مما يهدد بانعدام الأسماك اسفل السد؟
.أما البند رقم 7 من بنود الفوائد المزعومة فيتحدث عن توفير بيئة جاذبة للسياحة باستغلال بحيرة سد كجبار كإضافة للآثار التي تذخر بها الولاية
والتساؤل هنا هو ما هي البيئة السياحية الجاذبة التي وفرتها بحيرة النوبة القائمة منذ أربعون عاماً نصفها في عهد الأنقاذ؟ ولماذا لم يتم الاستفادة من تلك البحيرة سياحياً ويريدون الآن إقناعنا بالسياحة التي ستجذبها بحيرة سد كجبار؟
وهل أنتعشت السياحة في منطقة حلفا بعد قيام السد العالي وظهور بحيرة النوبة أم بالعكس اندثرت السياحة هنالك بعد أن كانت رائجة قبل قيام السد العالي؟
ثم أن الحديث عن الآثار يثير الضحك فأكثر الأضرار التي ستصيب الولاية الشمالية من هذه السدود سيصيبها في جانب الآثار ليس بسبب ما ستغمرها المياه من تلك الآثارات والمواقع التي لم يتم تنقيبها فحسب ولكن أيضاً بسبب الارتفاع المتوقع في نسبة الرطوبة في الجو جراء هذه البحيرات. ولم تحافظ هذه الآثارات على وجودها آلاف السنين إلا بسبب المناخ الجاف في المنطقة.
وبجانب الحقيقة الوحيدة التي تضمنتها الأحاديث الجادة لبعض المسئولين والتي عبر عنها حديث وزير الري وما جاء في كتيب وحدة تنفيذ السدود وهي الحقيقة المتمثلة في أن سد كجبار لا يقدم نفعاً سوى توليد الكهرباء, تنهض أقوال أخرى على لسان بعض المسئولين في الندوات والتصريحات الصحفية وهي أقوال لا تقوم على دليل أو تنهض على ساق والغرض منها خداع المواطنين وهي أحاديث تدور حول إعادة توطين مواطني المنطقة المهاجرين وذلك من خلال قيام مشاريع التنمية خاصة المشاريع الزراعية, وتحاول تلك الاقاويل ربط تلك المشاريع الزراعية المزعومة بمياه السد تلميحاً أحياناُ وتصريحاً في أحايين أخرى مما يوهم البعض بأن السد سيوفر مياه للري الانسيابي لتلك المشاريع الزراعية ويمضي بعض منسوبي المؤتمر الوطني من أبناء المنطقة إلى ترويج الأحلام الكاذبة بين السذج من المواطنين بأن الصحراء النوبية ستنقلب بفضل مياه السدود إلى جنات تجري من تحتها الأنهار.
وحسناً فعل كتيب وحدة تنفيذ السدود المشار إليه حين تجنب الاشارة تلميحاً أو توضيحاً إلى الاستفادة من السد في ري مشاريع زراعية كما يجئ ذلك في الأحاديث الشفاهية لمنسوبي المؤتمر الوطني. وربما تجنب الكتيب ذلك لكيلا يكون دليلاً موثقاً على الأكاذيب التي يروجونها. أكثر من ذلك فان الكتيب أشار في البند رقم 3 من فوائد المشروع إلى:
(استغلال الطاقة الكهرومائية المنتجة من محطة توليد سد كجبار للاستفادة من المياه السطحية والجوفية التي تتوفر بكميات كبيرة للتوسع في الرقعة الزراعية المروية.) وهذا دليل قاطع آخر على أن السد لن يخدم أغراض الري ولا علاقة له البتة بأي توسع في المشاريع الزراعية.وبالرغم من أن الكتيب جاء بعنوان إعادة بناء الحضارة باعادة التوطين لم يتضمن شيئاً عن إعادة التوطين هذه أو عن مشاريع لإعاشة من سيتم إعادة توطينهم حسب زعمهم وكل ما أشار إليه الكتيب هو أن هنالك دراسات سابقة لأراضي تبلغ مساحتها 15 ألف فدان في سهل كوكا وتحتاج إلى مزيد من الدراسات فهل يريدون استيعاب كل المتضررين ممن ستغمر مياه السد ديارهم بالاضافة إلى المهاجرين من المنطقة في أرض مساحتها 15 ألف فدان إذا صرفنا النظر عن المعلومات الأكيدة التي تشير إلى أن تلك المساحة من الأرض التي يتحدث عنها الكتيب هي أرض عطرونية لا تصلح للزراعة وفقاُ لدراسات أجريت على التربة هناك.
وإذا قلنا أن هذه ال 15 ألف فدان هي لتوظين المتضررين من السد والمهاجرين القدامى فأين هي مشاريع التنمية الزراعية التي يبشرون بها المتضررين والتي ستغري أيضاً المهاجرين للعودة لتحقيق إعادة التوطين وبناء الحضارة المزعومة؟.أما السيد وزير الدفاع فقد ربط قيام السد بضرورات أمنية وربما يفسر هذا الربط رغم غموضه تبني الوزير للمشروع وقيامه بزيارة خاصة مع والي الولاية ومندوب من وحدة تنفيذ السدود ومجموعة من الصحفيين على متن طائرة خاصة إلى المملكة العربية السعودية للترويج للمشروع وسط المغتربين إعتقاداً منه بأن المغتربين لهم تأثير قوي على المواطنين المقيمين في المنطقة بسبب أنفاقهم عليهم, ثم تنظيمه بعد ذلك لعدة ندوات بالخرطوم لاقناع المواطنين بفوائد مزعومة تصيبهم من هذا السد.
فقد ذكر السيد الوزير إلى أن تدني الكثافة السكانية في المنطقة يشكل تهديداُ للامن القومي وأن الهدف من بناء السد هو إعادة توطين سكان المنطقة المهاجرين في الداخل والخارج من لدن المهاجرين الأوائل المقيمين في توتي وبري المحس وكترانج إلى المغتربين في دول الخليج إلا أنه لم يوضح وجه التهديد الأمني في تدني الكثافة السكانية كما لم يوضح خططاً أو دراسات أعدت لاستقبال هؤلاء العائدين بالاضافة إلى المقيمين الذين ستغمر المياه ديارهم.
غير أن أقوال الوزير نفسه تتناقض بعضها مع بعض, وسنضطر هنا إلى نقل جزء غير يسير من حديث له لأشقائنا المصريين لاهميته في توضيح هذا التناقض وفي فهم لغز السدود والعلاقة بين السدود والمصريين والمؤتمر الوطني فحول لقاء للوزير بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 3 يناير 2006م جاء مايلي: ( أكد الوزير مخاطباً خبراء وباحثي المركز ضرورة منح اتفاق الحريات الأربعة الموقع بين مصر والسودان أهمية قصوى في العلاقات بين البلدين وضرورة التعامل مع هذا الاتفاق من منطلق استراتيجي بعيد المدى باعتباره توجهاً أساسياً لا غنى عنه لحل مشاكل كلا القطرين الشقيقين في المرحلة القادمة.
وشدد الوزير في عرضه على أن مجرى نهر النيل في المنطقة الواقعة بن الخرطوم حتي وادي حلفا في الشمال أكثر طولا من ذلك الجزء من النهر الذي يمر في الأراضي المصرية وأشار إلى مفارقة هائلة تتمثل في أن سكان مصر الذين يتركزون بشكل أساسي حول ضفتي النهر يبلغون تقريبا 70 مليون نسمة بينما يعيش 1,2 مليون نسمة فقط في المسافة من الخرطوم إلى وادي حلفا. واذا كانت التقديرات تشير إلى أن عدد سكان مصر سوف يصل إلى 100 مليون نسمة بعد عشرين سنة من الآن فأين سوف يذهبون وإلى أين سيكون التوجه المصري لمعالجة تبعات هذا الموقف؟
في هذا الاطار أشار الوزير السوداني إلى أن مصر اتجهت اهتماماتها السياسية والفكرية والثقافية طوال الخمسين عاما الماضية إلى الشمال ولم تلتفت إلى حدودها الجنوبية وانه قد حان الوقت لوضع استراتيجية تكفل تحقيق المصالح الحيوية لقطري وادي النيل حيث أن الأوضاع الحالية تستوجب أن يكون التحرك المصري هو باتجاه السودان على الأقل لحل مشاكل مصر الغذائية والسكانية وفي الوقت نفسه المساهمة في تحقيق التنمية والاستثمار الأمثل للموارد في السودان بشكل متوازن ومتبادل لمصلحة كلا الطرفين.
وأنه اذا كانت تكلفة استصلاح الفدان الواحد في مصر تبلغ عشرة أضعاف استزراع الفدان في السودان فان النظرة الاقتصادية الرشيدة تستوجب أن تتم مثل هذه العمليات والمشروعات في الاراضي السودانية لصالح البلدين. ولمزيد من التوضيح ضرب الوزير السوداني بعض الأمثلة المحددة وقال بأن منطقة أرقين جنوب الحدود السودانية المصرية مباشرة بها أراضي خصبة قابلة للزراعة مساحتها 1,5 مليون فدان وأن هذه المنطقة يمكن بدء العمل فيها فورا وبامكانها استيعاب مئات الآلاف من الأسر المصرية لتشغيل مثل هذا المشروع وأن هذا يحقق مصالح عديدة لمصر من بينها تخفيف حدة البطالة واستثمار اقتصادي بعائد مربح واستثمار استراتيجي بتوفير الغذاء بالاعتماد على الذات.
وقال الوزير: نجد أن هنالك هجرات مستمرة من غرب افريقيا إلى منطقة دارفور والتي وصلت إلى 7,5 مليون نسمة بينما نجد أن مجموع المصريين المقيمين في السودان لا يتجاوز عشرين ألفا وأن هذا وضع غير طبيعي ولا يتفق مع ما بين البلدين من وشائج. كما أشار إلى أن حدود السودان مفتوحة مع كل الدول الأفرقية ما عدا حدوده مع مصر وليبيا وذكر على سبيل المثال أن السودان له حدود مع تشاد تبلغ 1800 كم وأن هنالك 18 قبيلة مشتركة تتحرك على الحدود بين البلدين وان الوقت قد حان لبدء التعاون في مجالات الاقتصاد والتنمية مع السودان بدون معوقات حيث يمكن تملك الأراضي والتمتع بكافة الحقوق القانونية.
وشدد الوزير في الوقت نفسه على أن مصر صاحبة مصلحة أساسية واستراتيجية في اعطاء هذا التعاون دفعات واسعة وقوية إلى الأمام في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر حيث أن التعاون مع السودان في تفعيل اتفاق الحريات الأربعة هو الأكثر رشادة والأقل تكلفة والاقرب تاريخيا واجتماعيا بالنسبة لمصر وأنه يجب تحويل المقولات الذائعة عن الروابط التاريخية والعلاقات الأزلية إلى واقع متحقق وليس مجرد الاكتفاء بالحديث الذي تحول مع الوقت إلى شعارات.
وذكر أن اعدادا هائلة من أبناء مصر انتقلوا في فترات سابقة إلى العراق وربما وصل العدد إلى أربعة ملايين في حين أن السوان أكثر قربا والتعاون معه أجدى وأكثر نفعاً.
واشار الوزير على أن التصور بأن النظام السوداني هو الذي يحتاج إلى مصر في هذه المرحلة ولذلك يبادر إلى طرح هذه الأفكار والمشروعات هو تصور قاصر ومبتسر لأن النظام الحالي في السودان قد واجه تحديات عاتية من قبل وواجه هجمات على ثلاث محاور في وقت واحد واستطاع الصمود والبقاء وأن الأوضاع جميعها قد تغيرت الآن على المستوى العالمي والأقليمي ولذا فان استراتيجية التعاون هذه ليست نابعة من رؤية سياسية تستند على أمن نظام هنا أو هناك وإنما هي رؤية استراتيجية لمستقبل مشترك.)
موقع الأهرام بالانترنت:http://www.ahram.org.rg/archive/inde...5.htm&DID=8359 جاء أيضاً في موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام على شبكة الانترنت تحت عنوان لقاء مع وزير الداخلية السوداني, إعداد: عادل عبد الصادق مايلي:
( تناول السيد اللواء عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية السوداني وممثل الرئيس السوداني في اقليم دارفور خلال لقائه بخبراء وباحثي مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام موضوع الحريات الأربعة وهو الاتفاق الذي تم توقيعه بين السودان ومصر ويشمل حرية التنقل والعمل والأقامة والملكية. وتحدث المسئول السوداني عن أهمية هذا الاتفاق مستنداً على أن الهجرات العربية والاسلامية إلى السودان شكلت هوية السودان فيما بعد ولكن تلك الهوية واجهت صعوبات بسبب توقف الهجرات العربية وخاصة من الجزيرة العربية المنطقة الأقرب إلى السودان وحدث في المقابل هجرات من دول غرب افريقيا حيث يوجد 7,5 مليون منهم في غرب السودان وهذا كان له أثره في تحديد هوية السودان حيث أثرت تلك الهجرات على التركيبة السكانية وشكلت خطوره في تغيير تركيبة السودان العرقية ككل وإخلال التوازن العربي ـ الافريقي حيث يعاني وسط السودان من فراغ وهذا الفراغ إذا لم يتم امتلائه من مصر وهي الأكثر حاجة إليه فانه سيتم امتلائه من الآخرين).
فاذا كان الوزير يدعو المصريين بمثل هذا الكرم والألحاح للاستيطان في منطقة أرقين كما يسميها, وهو يقصد الحوض النوبي بالطبع, والتي يمكنها أن تستوعب مئات الآلاف من الأسر حسب قوله فمن أين يأتي التهديد للأمن القومي السوداني ومصر هي الجارة الوحيدة التي تتصل بنا من جهة الولاية الشمالية؟ إذن الحديث عن علاقة السدود في المنطقة النوبية بالامن القومي السوداني هو حديث لا يعضده دليل ولا يسنده منطق إلا إذا كان المقصود أمن الحزب الحاكم وضمان استمراره في السلطة بدعم من جهات خارجية لها مصلحة في هذه السدود.إن مسألة السدود في هذه المنطقة النوبية كما هو واضح من حديث الوزير حول الهوية ليست مسألة كهرباء فحسب وإلا لما كان الإصرار عليها لدرجة سفك الدماء. انها ترتبط باتفاقيات استراتيجية بين النظامين في الدولتين هذه الاستراتيجية تخدم مصالح شعب في إحدى الدولتين فتحل مشكلة الانفجار السكاني ويحقق الأمن الغذائي لهذا الشعب بينما تستجيب في الدولة الأخرى لأجندة حزب حاكم نحو فرض هوية بعينها على السودان وتغيير التركيبة السكانية لصالح تلك الهوية وكان لا بد من البدء بتغيير الواجهة التي تطل بها الدولة على العالم شمالاً وذلك بتوطين مئات الآلاف من الاسر المصرية في الحوض النوبي وقبل ذلك تفريغ المنطقة من النوبيين لكيلا يكونوا خميرة عكننة للمستقدمين أو ربما مشروع صراع دموي معهم.
فيتم تهجيرهم بحجة هذه السدود إلى أماكن لا تتوفر فيها مقومات الاستقرار ولا يراد لها أصلاً أن تكون أماكن للاستقرار بل محطات يتم فيها تفكيك ترابطهم الاجتماعي وتجريدهم من نوازع الارتباط بالأرض ليتوجهوا منها إلى الشتات في مختلف أنحاء البلاد وخارجها من بينها مناطق الاستثمار الاستيطاني للعمل كأجراء لدى المستوطنين الجدد, ملاك الأراضي, الممولين تمويلاً جيداً بأموال الدولتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق