السبت، ديسمبر 06، 2008

قصة سد كجبار - ورقة عمل (2)

شبهات حول السدود:
إن من الواضح أن سد كجبار وغيره من السدود القائمة والمقترحة في الولاية الشمالية تدخل ضمن مشاريع المؤتمر الوطني السياسية الاستراتيجية ولا يبدو من مجمل الممارسات التي تتم في كل مراحل هذه المشاريع أنها مشاريع تنموية هدفها الانسان السوداني ويمكننا في هذا أن نشير إلى ملاحظات عدة تكتنف هذه المشاريع وتلقي بظلال من الشكوك حولها:-
(1) إن أكثر ما يثير الشكوك حول هذه السدود هو موقف جممهورية مصر منها. فالمعروف أن حصة السودان من مياه النيل هي 18.5 مليار متر مكعب في السنة مقابل حصة مصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب في السنة. ويستهلك السودان من حصته ما مقداره 14.5 مليار متر مكعب في السنة والباقي وهو 4 مليار متر مكعب كانت تذهب إلى مصر لعدم قدرة خزان الروصيرص على استيعاب تلك الكمية.
الآن تم افتتاح مشروع تعلية خزان الروصيرص حتى يتم استيعاب كل الكمية التي كانت تذهب إلى مصر أي 4 مليار متر مكعب وقد جاء في الأخبار أن هنالك خطط للاستفادة من هذه الكمية من المياه التي ستتوفر بسبب تعلية الخزان وذلك بزراعة مساحة قدرها 2,6 مليون فدان في أواسط السودان( كنانة والرهد) وبالرغم من أن تلك الكمية من المياه لا تكفي لزراعة هذه المساحة إلا أن ما يهمنا هنا هو أن المياه التي ستتجمع خلف سدود مروي, كجبار, دال, الشريك ودقش هي مياه مصرية وليس للسودان قطرة فيها وإذا علمنا أن كمية المياه المتبخرة من خزانات مروي, كجبار ودال فقط تبلغ 4 مليار متر مكعب ( مقدار التبخر من خزان مروي يبلغ 1,5 مليار متر مكعب سنوياً, سد كجبار 1,7 مليار متر مكعب سنوياً, في دال 800 مليون متر مكعب سنوياً وذلك حسب الخبير سيف الدين حمد عبد الله, مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا, قاعة الشهيد الزبير محمد صالح, الأحد 2/9/2007م )
إذن هذه المياه المتبخرة ستكون خصماً على الحصة المصرية. فلماذا يضحي المصريون بهذه الكمية المقدرة من المياه وهي عزيزة لديهم كما هو معروف؟ إن معظم التحليلات الرصينة تشير إلى أن المصريين وقد تراجعت الطاقة التخزينية للسد العالي بسبب ترسب ملايين الأطنان من الطمي في بحيرة السد العالي بداوا في البحث عن أوعية أخرى لتخزين المياه في المستقبل وبالرغم من أن كل الدراسات تشير إلى أن أنسب الأماكن لتخزين المياه وتوليد الطاقة الكهربائية هي داخل الأراضي الأثيوبية بسبب وجود مناطق صخرية تسمح بتخزين المياه في منطاق محصورة تقلل من فرص التبخر فضلاُ عن إعتدال المناخ هناك إلا أن مصر ولأسباب تتعلق بأمن مياهها ترى أن التخزين في الأراضي السودانية المتاخمة لحدودها يمكنها من تأمين مياهها والسيطرة عليها. أضف إلى ذلك أن قيام السدود داخل الحدود السودانية يقلل من نسبة الإطماء في بحيرة السد العالي وبالتالي يطيل من عمر السد الذي يتهدده نسبة الإطماء العالية.
(2) أن أمر السدود قد انتزع من جهته الطبيعية وهي وزارة الري وانشئت لها وحدة خاصة هي وحدة تنفيذ السدود واتبعت لرئاسة الجمهورية بغرض ابعادها من الرقابة البرلمانية إذا كانت هنالك ثمة رقابة
(3) بالرغم من أن بناء السدود مسألة فنية وكانت على الدوام يتولى أمرها في وزارة الري مهندسون مختصون بل أن وزراء الري المتعاقبون كانوا دائماً من المهندسين المختصين في مسألة المياه أو السدود إلا أن وحدة تنفيذ السدود أوكلت رئاستها إلى شخص غير مختص لا بالسدود ولا بغيرها وكل ما أهله لهذا الموقع هو انتماؤه لحزب المؤتمر الوطني وارتباطه القوي بالدوائر المتحكمة داخل الحزب.
(4) أن وحدة تنفيذ السدود قد أحيطت بسياج من الحصانات والاستقلالية فهي معفية من الخضوع لعدد من القوانين والنظم التي تحكم عمل أجهزة الدولة من بينها قانون الاجراءات المالية والمحاسبية رغم أنها تقوم بأعمال تبلغ كلفتها مليارات الدولارات
(5) ومن بين أكثر المسائل المثيرة للشكوك أيضاً حول هذه الوحدة والأعمال التي تقوم بها هو أن القانون الذي انشئت بموجبه الوحدة منحها اختصاصاً بالاراضي والمشاريع الزراعية وتمشياً مع ذلك القانون صدر قرار جمهوريرقم 26 في عام 2006م بضم الأراضي الواقعة في المنطقة الممتدة من موقع خزان مروي حتى كرمة شمالاُ إلى وحدة تنفيذ السدود عقب قيام سد مروي وينتظر أن تؤول بقية أراضي الولاية الي وحدة السدود إذا قدر لسدي كجبار ودال أن يقوما.
وهذا أمر يتعارض مع إتفاقية نيفاشا والدستور نصاً وروحاً. ويأتي هذا متزامناً مع الهجمة الشرسة على الأراضي في الولاية الشمالية بالبيع للأجانب بل وتوطينهم تحت ستار الاستثمار في الوقت الذي لا يزال فيه أبناء الولاية مبعثرين في المهاجر طلباً للرزق ليس بسبب ضيق الأراضي الزراعية كما كنا نلقن في حصص الجغرافيا على عهد السواقي ولكن بسبب عدم توفر التمويل اللازم لاستثمار الأراضي الزراعية في داخل ولايتهم والتي يجري بيعها أو منحها للأجانب حالياً.
(6) إن بناء السدود صناعة قديمة وتراكمت لدي البشرية خبرات وتجارب كبيرة عنها. وقد اثارت مسألة السدود في كل أنحاء المعمورة جدلاً واسعاً حول جدواها وآثارها السلبية بعد أن لحقت مظالم كثيرة بالسكان المحليين جراء غمر أوطانهم بمياه السدود,وبعد أن ظهرت الكثير من الدراسات التي تعكس الآثار البيئية المدمرة للسدود, الأمر الذي استدعى قيام لجنة دولية للسدود (WORLD COMMISSION ON DAMS) وقد قامت تلك اللجنة بدراسات مستفيضة حول السدود في مختلف أنحاء العالم بمشاركة الخبراء والعلماء والمختصين في مختلف المجالات ذات الصلة ومن مختلف الدول والقارات وأنتهت إلى وضع اسس وقواعد رأت اللجنة ضرورة الألتزام بها عند بناء السدود ويأتي على رأس تلك الاسس والقواعد ضرورة القيام باستشارة السكان المحليين الذين سيتأثرون بالسد والحصول على موافقتهم على قيام السد.
كما يتضمن تلك الأسس اشراك السكان المحليين وكل المهتمين بشأن السد (Stakeholders) في مناقشات مفتوحة حول فوائد السد ومضاره وكذلك اشراك السكان المحليين في الدراسات الخاصة بتقييم الآثار البيئية والآثار الإجتماعية المتعلقة بالسد. ولكن وحدة تنفيذ السدود لا تعير لمثل هذه القواعد إهتماماً ولا تلتفت لآراء المواطنين وهمومهم ومصالحهم التي تهددها السدود ولا أدل على ذلك ما حدث في سد مروي حيث أن المواطنين المقيمين أسفل السد لحقت بهم أضرار فادحة جراء قيام السد ورغم ذلك لم يتم التشاور معهم أو التطرق لمثل تلك الآثار الضارة حتى انتهاء المشروع دع عنك الحديث عن تعويضهم عن تلك الآثار الضارة أو اتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف منها أو معالجة آثارها الضارة. وقد أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقريره لعام 2006م إلى تلك الآثار وهي آثار خطيرة ومدمرة لحياة السكان أسفل السد.
(7) لقد أعلن والي الولاية الشمالية أن الدراسات أثبتت جدوى قيام السد وأن حكومته وافقت على قيام السد وأنه لن يتحاور بشأن قيام أو عدم قيام السد إنما سيكون الحوار فيما يتعلق بحقوق المتضررين وتعويضهم.
يحمد له أنه اعترف بوجود ضرر ومتضررين. ولكن أليس هذا التصريح استهتاراً بحقوق الناس واستخفافاً بعقولهم؟ أية دراسات يتحدث عنها...
هل أجريت دراسات عن الآثار البيئية وأين هي تلك الدراسات؟
هل أجريت دراسات عن الآثار الاجتماعية وأين أجريت أم أنها دراسات نظرية أجريت داخل مكاتب وحدة تنفيذ السدود بالخرطوم ؟
وما هي مقدار التعويضات التي يتحدث عنها الوالي وكيف قدرت قيمة التعويضات أم أن دراسة الجدوى اكتملت واجيزت دون تضمين التعويضات في تلك الدراسة أم أن قيمة التعويضات محددة سلفاً والمطلوب هو أن يتم تعويض الناس في حدود المبلغ المحدد مهما تجاوزت استحقاقات التعويض الفعلية ذلك المبلغ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق